السبت، 10 يونيو 2017

فصل : الرد على من يزعم التجويع والتعطيش في الصيام

فصل : الرد على من يزعم التجويع والتعطيش في الصيام

لقد نزع الأثريون قول الله : "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ" من السياق فأفسدوا المعنى , واستلوا بهذا المعنى الفاسد على الصيام عن الأكل والشرب , وسبب هذ التحريف هو آثارهم الباطلة سنداً والمنكرة متناً .

وأقول : ما استدل ضال بدليل إلا وكان هذا الدليل حجة عليه .

ولكي نفهم الصيام لا بد من جمع آيات الصيام كلها وتدبرها , وليس نزع بعض الكلمات من السياق , ومن ثم يكون الفهم فاسداً , والاستدلال باطلاً .

وأتعجب من الأثريين الذين ينصحون بجمع كل النصوص الواردة في المسألة الواحدة حتى يكون الفهم سليماً , ثم بعد ذلك يناقضون أنفسهم عند الاستدلال فنراهم ينزعون بعض الكلمات من السياق مما يجعل فهمهم فاسداً , ثم يستدلون بهذا الفهم الفاسد على مذاهبهم .

والسؤال : هل قال الله : " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ " ؟

لا , بل قال : " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ " [محمد : 19] .

إذاً نزع الكلام من السياق قد يفسد المعنى , ويجعل فهمنا للكلام ضد المعنى الصحيح , ومن ثم فلا بد من بيان السياق وعدم كتمانه .

آيات الصيام :

قال الله : " إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41) " ( آل عمران ) .

وقال الله : " كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) " ( مريم ) .

وقال الله : "  وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) " ( مريم ) .

وقال الله : "  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)" ( البقرة ) .

وقال الله : " وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " [البقرة : 196] .

وقال الله : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا " [النساء : 92] .

وقال الله : " لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " [المائدة : 89] .

وقال الله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ " [المائدة : 95] .

وقال الله : " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) " ( المجادلة ) .

وقال الله : " إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " [الأحزاب : 35] .

وبتدبر آيات الصيام نرى أن المعنى لا يخرج عن أحد المعاني التالية :

المعنى الأول : أن المراد الخصوص وليس العموم , وهذا هو الذي أراه صواباً .

فالمباشرة خاصة وليست عامة , وابتغاء ما كتب الله لنا خاص وليس عاماً , والأكل والشرب خاص وليس عاماً .

أي أن المباشرة خاصة في أمر النساء , وابتغاء ما كتب الله لنا خاص في أمر النساء , والأكل والشرب خاص في أمر النساء

فبتدبر آيات الصيام يتبين لنا أن صيام الذين من قبلنا كان صياماً عن الكلام , وكان ليلاً ونهاراً , وأن الله أمرنا أن نصوم مثل صيام الذين من قبلنا , أي أن نصوم عن الكلام ليلاً ونهاراً , وأمرنا أن نصوم شهر رمضان , فصام النبي والمؤمنون عن الكلام في رمضان بليله ونهاره , ولكن بعض الناس كانوا يختانون أنفسهم فيرفثون إلى نسائهم , فأنزل الله التخفيف فاستثنى الرفث إلى النساء ليلاً من هذا الصيام , ثم فصل الله المستثنى وهو "الرفث إلى النساء ليلة الصيام" بقوله : "فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" , أي أن الرفث إلى النساء هو مباشرتهن وابتغاء ما كتب الله منهن والأكل والشرب معهن , ثم بين الله لنا حكماً آخر في المباشرة , فنهى عن مباشرة النساء ونحن عاكفون في المساجد , فقال : "وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ" , أي أن الكلام كله عن الرفث إلى النساء , وكل ما هو مبين داخل في الرفث إلى النساء .

ومن المعلوم أن الرفث نوع من الكلام , ولا يُستثنى نوع من الكلام إلا من الكلام , ولا يقول عاقل أن نوعاً من الكلام يُستثنى من الأكل والشرب , أو من صيام التجويع والتعطيش , فالمستثنى يجب أن يكون نوعاً من المستثنى منه  لأن الأصل في الاستثناء الاتصال .

وعلى من يؤمن بأن القرآن كاف كامل تام أن لا يقول بالتجويع والتعطيش , إذ أن التجويع والتعطيش يستلزم وجود آية تحرم الرفث إلى النساء قبل ذلك .

ولا توجد آية تحرم الرفث إلى النساء قبل ذلك , وبرغم بطلان حجية الآثار أتحدى أي أثري أن يأتي لي بسند صحيح يفيد تحريم الرفث إلى النساء قبل ذلك .

فعلى من يحرم الأكل والشرب في نهار رمضان أن يأتينا بالآية المنسوخة التي تحرم مباشرة النساء قبل ذلك , وأن يأتينا بالآية المنسوخة التي تحرم ابتغاء ما كتب الله لنا قبل ذلك , وأن يأتينا بالآية المنسوخة التي تحرم الأكل والشرب قبل ذلك ؟

ولن يستطيع أحد أن يقوم بذلك .

لذا إما القول بأن القرآن كاف كامل تام مبين ومفصل في نفسه وتبيان وتفصيل لكل أمور الدين , ومن ثم فالصيام هو صيام عن الكلام , وأن الرفث إلى النساء نوع من الكلام قد أحله الله ليلة الصيام , أي استثناه ليلة الصيام من الصيام عن الكلام , وهذا ما أقول به .

وإما القول بأن القرآن ناقص ومبهم لذا توجد آثار مكملة لنواقصه ومفسره لمبهماته , ومن ثم فالصيام هو صيام عن الأكل والشرب كما في الآثار الباطلة اللاغية والمكملة والمفسرة , وأن الرفث إلى النساء قد حرم قبل ذلك بأثر أيضاً , فالقرآن ناقص ومبهم كما يظن الأثريون .

وهذا باطل من وجوه :

الوجه الأول : أن القرآن كاف كامل تام مبين ومفصل في نفسه وتبيان وتفصيل لكل أمور الدين , كما يجب الإيمان بالكتاب كله , ومن ثم فلا توجد آثار مفسرة لمبهمات القرآن المزعومة أو مكملة لنواقصه المزعومة أو لاغية له , لذا أقول ببطلان حجية الآثار , سواء من جهة السند أو نكارة متون الآثار المفسرة والمكلمة والناسخة .

الوجه الثاني : عدم وجود دليل من القرآن على أن الصيام هو صيام عن الأكل والشرب , وبرغم بطلان حجية الآثار أتحدى أي أثري أن يأتي بسند صحيح يفيد ذلك .

الوجه الثالث : استحالة أن يحرم الله الأكل والشرب طوال الشهر بليله ونهاره , فهذا فيه هلاك الناس .

الوجه الرابع : استحالة أن يحرم الله الأكل والشرب ليلاً إذا نام الصائم , فالله غني عن تعذيبنا , وهل ينتظر الله حتى يكاد أن يهلك الرجل ثم ينتظر حتى يبلغون رسوله ثم ينزل التخفيف ؟

ألم تؤمنوا بأن الله علام الغيوب ؟

ألم يعلم الله أن هذا الأمر مهلك للناس وفيه مشقة بالغة ؟

هل تؤمنون بأن الله أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأنه رؤوف بالعباد ؟

فكيف تقبلون على الله هذا الافتراء ؟

الوجه الخامس : أن الآثار الباطلة التي يستدل بها القوم على تحريم الأكل والشرب والرفث إلى النساء ليلة الصيام إذا نام الإنسان لا تصلح للاستدلال أصلاً , لأنها تفتقر إلى دليل قبلها يحرم عليهم الأكل والشرب والرفث إلى النساء إذا نام الإنسان ليلة الصيام .

وأكتفي بالآثار والروايات التالية :

جاء في صحيح البخاري : (1791)- [1915] حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ "، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ" ، فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ" .

وجاء سنن أبي داود : (425)- [506] حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى.ح وحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَقَدْ أَعْجَبَنِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ قَالَ: الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةً، حَتَّى لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبُثَّ رِجَالًا فِي الدُّورِ يُنَادُونَ النَّاسَ بِحِينِ الصَّلَاةِ، وَحَتَّى هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رِجَالًا يَقُومُونَ عَلَى الْآطَامِ يُنَادُونَ الْمُسْلِمِينَ بِحِينِ الصَّلَاةِ حَتَّى نَقَسُوا أَوْ كَادُوا أَنْ يَنْقُسُوا، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمَّا رَجَعْتُ لِمَا رَأَيْتُ مِنَ اهْتِمَامِكَ، رَأَيْتُ رَجُلًا كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أَخْضَرَيْنِ فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ فَأَذَّنَ ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ مِثْلَهَا، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: أَنْ تَقُولُوا، لَقُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ يَقْظَانَ غَيْرَ نَائِمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: لَقَدْ أَرَاكَ اللَّهُ عز وجل خَيْرًا، وَلَمْ يَقُلْ عَمْرٌو: لَقَدْ أَرَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَمُرْ بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى وَلَكِنِّي لَمَّا سُبِقْتُ اسْتَحْيَيْتُ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا جَاءَ يَسْأَلُ فَيُخْبَرُ بِمَا سُبِقَ مِنْ صَلَاتِهِ وَإِنَّهُمْ قَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَقَاعِدٍ وَمُصَلٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي بِهَا حُصَيْنٌ، عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى حَتَّى جَاءَ مُعَاذ، قَالَ شُعْبَةُ: وَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ إِلَى قَوْلِهِ كَذَلِكَ فَافْعَلُوا، قَالَ أَبُو دَاوُد: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، قَالَ: فَجَاءَ مُعَاذ فَأَشَارُوا إِلَيْهِ، قَالَ شُعْبَةُ: وَهَذِهِ سَمِعْتُهَا مِنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: فَقَالَ مُعَاذ: لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ إِلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا.قَالَ: فَقَالَ: إِنَّ مُعَاذا قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً كَذَلِكَ فَافْعَلُوا، قَالَ: وحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَهُمْ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ أُنْزِلَ رَمَضَانُ، وَكَانُوا قَوْمًا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصِّيَامَ وَكَانَ الصِّيَامُ عَلَيْهِمْ شَدِيدًا، فَكَانَ مَنْ لَمْ يَصُمْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" ، فَكَانَتِ الرُّخْصَةُ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فَأُمِرُوا بِالصِّيَامِ، قَالَ: وحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَفْطَرَ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ لَمْ يَأْكُلْ حَتَّى يُصْبِحَ، قَالَ: فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَرَادَ امْرَأَتَهُ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ، فَظَنَّ أَنَّهَا تَعْتَلُّ فَأَتَاهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَرَادَ الطَّعَامَ، فَقَالُوا: حَتَّى نُسَخِّنَ لَكَ شَيْئًا، فَنَامَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ: "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ" .

وجاء في مسند أحمد بن حنبل : (21550)- [21617] حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذٍ: " أَنَّ الصَّلَاةَ أُحِيلَتْ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، فَذَكَرَ أَحْوَالَهَا فَقَطْ ".حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ. وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ أَبُو النَّضْرِ فِي حَدِيثِهِ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: أُحِيلَتْ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، وَأُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، فَأَمَّا أَحْوَالُ الصَّلَاةِ، فَإِنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ يُصَلِّي سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ" ، قَالَ: فَوَجَّهَهُ اللَّهُ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ: فَهَذَا حَوْلٌ، قَالَ: وَكَانُوا يَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ، وَيُؤْذِنُ بِهَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى نَقَسُوا، أَوْ كَادُوا يَنْقُسُونَ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، وَلَوْ قُلْتُ إِنِّي لَمْ أَكُنْ نَائِمًا لَصَدَقْتُ، إِنِّي بَيْنَا أَنَا بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ إِذْ رَأَيْتُ شَخْصًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَثْنَى مَثْنَى، حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْأَذَانِ، ثُمَّ أَمْهَلَ سَاعَةً، قَالَ: ثُمَّ قَالَ مِثْلَ الَّذِي قَالَ، غَيْرَ أَنَّهُ يَزِيدُ فِي ذَلِكَ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " عَلِّمْهَا بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ بِهَا "، فَكَانَ بِلَالٌ أَوَّلَ مَنْ أَذَّنَ بِهَا، قَالَ: وَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ قَدْ طَافَ بِي مِثْلُ الَّذِي أَطَافَ بِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ سَبَقَنِي، فَهَذَانِ حَوْلَانِ، قَالَ: وَكَانُوا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ وَقَدْ سَبَقَهُمْ بِبَعْضِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ يُشِيرُ إِلَى الرَّجُلِ إِنْ جَاءَ كَمْ صَلَّى، فَيَقُولُ: وَاحِدَةً، أَوْ اثْنَتَيْنِ، فَيُصَلِّيهَا، ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ فِي صَلَاتِهِمْ، قَالَ: فَجَاءَ مُعَاذٌ، فَقَالَ: لَا أَجِدُهُ عَلَى حَالٍ أَبَدًا إِلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَضَيْتُ مَا سَبَقَنِي، قَالَ: فَجَاءَ وَقَدْ سَبَقَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِهَا، قَالَ: فَثَبَتَ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ، قَامَ فَقَضَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّهُ قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ، فَهَكَذَا فَاصْنَعُوا "، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ، وَأَمَّا أَحْوَالُ الصِّيَامِ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَجَعَلَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ يَزِيدُ: فَصَامَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ رَبِيعِ الْأَوَّلِ إِلَى رَمَضَانَ، مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَصَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عز وجل فَرَضَ عَلَيْهِ الصِّيَامَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل : "يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ" ، قَالَ: فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَطْعَمَ مِسْكِينًا فَأَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَ الْآيَةَ الْأُخْرَى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ إِلَى قَوْلِهِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" ، قَالَ: فَأَثْبَتَ اللَّهُ صِيَامَهُ عَلَى الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ، وَرَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَثَبَّتَ الْإِطْعَامَ لِلْكَبِيرِ، الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ، فَهَذَانِ حَوْلَانِ، قَالَ: وَكَانُوا يَأْكُلُونَ، وَيَشْرَبُونَ، وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ مَا لَمْ يَنَامُوا، فَإِذَا نَامُوا امْتَنَعُوا، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: صِرْمَةُ، ظَلَّ يَعْمَلُ صَائِمًا حَتَّى أَمْسَى، فَجَاءَ إِلَى أَهْلِهِ فَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ نَامَ، فَلَمْ يَأْكُلْ، وَلَمْ يَشْرَبْ حَتَّى أَصْبَحَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا، قَالَ: فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ جَهَدَ جَهْدًا شَدِيدًا، قَالَ: " مَا لِي أَرَاكَ قَدْ جَهَدْتَ جَهْدًا شَدِيدًا "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي عَمِلْتُ أَمْسِ فَجِئْتُ حِينَ جِئْتُ، فَأَلْقَيْتُ نَفْسِي فَنِمْتُ، وَأَصْبَحْتُ حِينَ أَصْبَحْتُ صَائِمًا، قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ قَدْ أَصَابَ مِنَ النِّسَاءِ مِنْ جَارِيَةٍ، أَوْ مِنْ حُرَّةٍ بَعْدَ مَا نَامَ، وَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل : "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" ، وَقَالَ يَزِيدُ: فَصَامَ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ رَبِيعِ الْأَوَّلِ إِلَى رَمَضَانَ .

وجاء في مسند أحمد بن حنبل : (15479)- [15368] حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى بَنِي سَلِمَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ فِي رَمَضَانَ إِذَا صَامَ الرَّجُلُ فَأَمْسَى، فَنَامَ، حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ حَتَّى يُفْطِرَ مِنَ الْغَدِ، فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ سَهِرَ عِنْدَهُ، فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ نَامَتْ، فَأَرَادَهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ، قَالَ: مَا نِمْتِ، ثُمَّ وَقَعَ بِهَا، وَصَنَعَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ مِثْلَ ذَلِكَ، فَغَدَا عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: "عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ" .

وجاء في جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري: (2691)- [3 : 236] حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جُبَيْرٍ، مَوْلَى بَنِي سَلَمَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " كَانَ النَّاسُ فِي رَمَضَانَ إِذَا صَامَ الرَّجُلُ فَأَمْسَى فَنَامَ حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ، وَالشَّرَابُ، وَالنِّسَاءُ حَتَّى يُفْطِرَ مِنَ الْغَدِ.فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ سَمَرَ عِنْدَهُ، فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ نَامَتْ فَأَرَادَهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ، فَقَالَ: مَا نِمْتِ، ثُمَّ وَقَعَ بِهَا، وَصَنَعَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ مِثْلَ ذَلِكَ.فَغَدَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:" عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ" ، الآيَةَ " .

فكل هذه الآثار والروايات وغيرها لا تصلح للاستدلال أصلاً على تحريم الأكل والشرب والرفث إلى النساء ليلة الصيام إذا نام الإنسان , لأنها تحتاج إلى دليل قبلها يحرم عليهم الأكل والشرب والرفث إلى النساء إذا نام الإنسان ليلة الصيام .

والسؤال : ما دليلهم على ذلك ؟ مم عرفوا أن الأكل والشرب والرفث إلى النساء محرم ليلة الصيام إذا نام الإنسان ؟

أين الآية التي تفيد ذلك ؟

وبرغم بطلان حجية الآثار أتحدى أي أثري أن يأتي بسند صحيح يفيد ذلك .

ـــــــــــــــــــــ

وقد يقال : ما الآية التي تحرم الرفث قبل قول الله : "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" [البقرة : 187] ؟

أقول : قول الله : " إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41) " ( آل عمران ) .

وقول الله : " كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) " ( مريم ) .

وقول الله : "  وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) " ( مريم ) .

وقول الله : "  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)" ( البقرة ) .

فبتدبر الآيات السابقة يتبين لنا أن الصيام هو صيام عن كلام الإنس , وسيكون التعامل معهم بالإشارة اضطراراً , ومن ثم فالصيام يشمل الصيام عن الرفث إلى النساء .

كما قد يقال : إذا كان الله قد استثنى الرفث إلى النساء ـ وهو نوع من الكلام ـ ليلة الصيام من الصيام , فكيف يفسر الرفث إلى النساء بمباشرتهن وابتغاء ما كتب الله منهن والأكل والشرب معهن ؟ هل هذه الأشياء من الكلام ؟

أقول : لقد اختلف السلف والخلف في الرفث , وهذه خلاصة أقوالهم :

قال ابن منظور : أصل الرفث قول الفحش , وقال الطبري : أصله الإفحاش في المنطق ، ثم تستعمله في الكناية عن الجماع .

وقال البعض الرفث هو : الفحش في القول , وقيل : الإفحاش للمرأة في الكلام , وقيل : العرابة والتعريض للنساء بالجماع أي نوع من الكلام .

وقيل : الرفث ما دون الجماع , وقيل : الجماع وما دونه من قول الفحش , وقيل : الجماع فما دونه من شأن النساء , وقيل : غشيان النساء , وقيل : غشيان النساء والقبل والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك , وقيل : الجماع , وقيل : إتيان النساء , وقيل : إتيان النساء والمجامعة ,  وقيل : النكاح , وقيل : كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة .

جاء في لسان العرب :(( رفث : الرفث : الجماع وغيره مما يكون بين الرجل وامرأته ، يعني التقبيل والمغازلة ونحوهما ، مما يكون في حالة الجماع ، وأصله قول الفحش . والرفث أيضا : الفحش من القول ، وكلام النساء في الجماع ، تقول منه : رفث الرجل وأرفث ، قال العجاج : ورب أسراب حجيج كظم عن اللغا ورفث التكلم . وقد رفث بها ومعها . وقوله - عز وجل - : أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم فإنه عداه بإلى ، لأنه في معنى الإفضاء ، فلما كنت تعدي أفضيت بإلى كقولك : أفضيت إلى المرأة ، جئت بإلى مع الرفث ; إيذانا وإشعارا أنه بمعناه . ورفث في كلامه يرفث رفثا ، ورفث رفثا ، ورفث ، بالضم عن اللحياني ، وأرفث ، كله : أفحش ; وقيل : أفحش في شأن النساء . وقوله تعالى : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج يجوز أن يكون الإفحاش ، وقال الزجاج : أي : لا جماع ولا كلمة من أسباب الجماع ; وأنشد : عن اللغا ورفث التكلم . وقال ثعلب : هو أن لا يأخذ ما عليه من القشف ، مثل تقليم الأظفار ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وما أشبهه فإن أخذ ذلك كله فليس هناك رفث . والرفث : التعريض بالنكاح . وقال غيره : الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة ، وروي عن ابن عباس أنه كان محرما فأخذ بذنب ناقة من الركاب ، وهو يقول : وهن يمشين بنا هميسا     إن تصدق الطير ننك لميسا . فقيل له : يا أبا العباس أتقول الرفث ، وأنت محرم ؟ وفي رواية : أترفث وأنت محرم ؟ فقال : إنما الرفث ما روجع به النساء . فرأى ابن عباس الرفث الذي نهى الله عنه ما خوطبت به المرأة فأما أن يرفث في كلامه ، ولا تسمع امرأة رفثه ، فغير داخل في قوله ( عز وجل ) : فلا رفث ولا فسوق )) . ( لسان العرب لابن منظور ) .

وقال أبو جعفر الطبري في قول الله "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج": ( و"الرفث" في كلام العرب : أصله الإفحاش في المنطق على ما قد بينا فيما مضى ، ثم تستعمله في الكناية عن الجماع ) . ( تفسير الطبري ) .

وإذا قلنا أن الرفث في كلام العرب أصله قول الفحش أو الإفحاش في القول , أي أنه كلام فقط , فهذا يعني أن في الصيام نهي عن  الرفث وعن ما هو أعلى من الرفث , لثلاثة أسباب :

السبب الأول : أن المقصود من الصيام عن كلام الإنس هو الانقطاع عن الناس والخلوة للذكر وتدبر كلام الخالق أي التبتل ومن ثم التقوى , فالنهي عن كلام الإنس في شهر التزكية هو نهي عن معاملتهم من باب أولى , فإن النهي عن الأدنى نهي عن الأعلى , لذا فالصيام يشمل عدم التعامل مع الناس إلا للضرورة , ويكون التعامل حينئذ بالإشارة .

ولا يزعم عاقل أن الله قد نهى عن كلام الإنس وأباح الإشارة , ومن ثم يجوز أن نلغو ونفحش بالإشارة في الصيام ؟

لا , لأن الإشارة تكون للاضطرار , وهذا الزعم يخالف المقصود من الصيام عن كلام الإنس .

السبب الثاني : أن النهي عن الأدنى نهي عن الأعلى من باب أولى , فالنهي عن الكلام نهي عن الرفث الذي هو نوع من الكلام , ونهي عما هو أعلى من الرفث وهو ما يريده الرجل من امرأته .

قال الله : "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" [الإسراء : 23] , فالنهي عن قول "أف" نهي عن ما هو أشد من ذلك , كالسب والضرب .

وهل إذا قال الأب لابنه لا تكلم فلاناً لأنه فاسد , يفهم من ذلك أنه نهي فقط عن الكلام معه , وليس نهياً عن معاملته أو اللعب معه ؟

أين القياس وأين الفهم ؟

السبب الثالث : أن الكلام يشمل الرفث الذي هو قول الفحش أو التعريض للنساء , وقول الفحش والتعريض للنساء طريق لما يريده الرجل من امرأته , فإذا نهى الله الكلام فهو نهي عن الرفث الذي قول الفحش أو التعريض للنساء , أي نهي عن الطريق , ومن ثم نهي عما يوصل إليه هذا الطريق , أي نهي عما يريده الرجل من امرأته من باب اللزوم , فما لا يتم المحرم إلا به فهو محرم .

أما إذا قلنا أن الرفث يعني ما يريده الرجل من امرأته ولا يعني الكلام , فيكون الصيام عن كلام الإنس نهياً عن الرفث للأسباب التالية .

السبب الأول : المقصود من الصيام , كما سبق .

السبب الثاني : أن النهي عن الأدنى نهي عن الأعلى من باب أولى , فالنهي عن الكلام نهي عن الرفث الذي هو ما يريده الرجل من امرأته .

السبب الثالث : أن الكلام يشمل قول الفحش أو التعريض للنساء , وقول الفحش والتعريض للنساء طريق لما يريده الرجل من امرأته , فإذا نهى الله الكلام فهو نهي عن قول الفحش أو التعريض للنساء , أي نهي عن الطريق , ومن ثم نهي عما يوصل إليه هذا الطريق , أي نهي عما يريده الرجل من امرأته من باب اللزوم , فما لا يتم المحرم إلا به فهو محرم .

وأما إذا قلنا أن الرفث يشمل قول الفحش وما يريده الرجل من امرأته , فيكون الصيام عن كلام الإنس نهياً عن الرفث للأسباب التالية :

السبب الأول : المقصود من الصيام , كما سبق .

السبب الثاني : أن النهي عن الأدنى نهي عن الأعلى من باب أولى , فالنهي عن الكلام نهي عن الرفث الذي يعني نوعاً من الكلام ويعني ما يريده الرجل من امرأته .

السبب الثالث : أن الكلام يشمل قول الفحش أو التعريض للنساء , وقول الفحش والتعريض للنساء طريق لما يريده الرجل من امرأته , كما سبق .

ولكن إذا قال الأثري أن الصيام هو التجويع والتعطيش فعليه أن يجيب على السؤال التالي : كيف يستثنى الرفث إلى النساء ليلة الصيام من الأكل والشرب أو من صيام التجويع والتعطيش ؟

ـــــــــــــــــــــــــ

والسؤال لكل معارض :

هل المباشرة في الآية عامة أم خاصة ؟

ليست عامة , بل خاصة .

والسؤال بصيغة ثانية : هل مباشرة الأعمال أو الوظائف محرمة في نهار رمضان ومباحة في لياليه ؟

لا , بل المقصود مباشرة النساء .

والسؤال بصيغة ثالثة : هل المباشرة من الرفث إلى النساء ؟

مباشرة النساء فقط هي من الرفث إلى النساء , أما مباشرة الأعمال أو الوظائف فليست من الرفث إلى النساء , أي أن المباشرة في الآية خاصة وليست عامة .

وعلى من يقول أنها عامة أن يصوم عن مباشرة كل شيء في نهار الصيام , فلا يباشر أعماله , ولا يباشر أي شيء , إن استطاع ولن يستطيع , فهذا محال .

كذلك هل ابتغاء ما كتب الله لنا في الآية عام أم خاص ؟

ليس عاماً , بل خاص .

والسؤال بصيغة ثانية : هل ابتغاء كل ما كتب الله لنا محرم في نهار رمضان ومباح في لياليه ؟

لا , بل المراد ابتغاء ما كتب الله لنا من النساء , أما ابتغاء ما كتب الله لنا من عمل صالح كمساعدة المحتاج فمشروع في الصيام .

والسؤال بصيغة ثالثة : هل ابتغاء ما كتب الله لنا من الرفث إلى النساء ؟

ابتغاء ما كتب الله لنا من النساء فقط من الرفث إلى النساء , أما ابتغاء ما كتب الله لنا من مال مثلاً فليس من الرفث إلى النساء .

وعلى من يقول أنه عام أن يصوم عن ابتغاء كل ما كتب الله له في نهار الصيام , إن استطاع ولن يستطيع , فهذا محال .

ولقد فسر الأثريون قول الله "وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ" بالولد والعفة والمتعة , أي أنهم يقرون بأنها خاصة فيما بين الرجال والنساء وليست عامة .

كذلك هل الأكل والشرب في الآية عام أم خاص ؟

ليس عاماً , بل خاص .

والسؤال بصيغة ثانية : هل الأكل والشرب محرم في نهار رمضان ومباح في لياليه ؟

لا , بل المقصود الأكل والشرب مع النساء .

والسؤال بصيغة ثالثة : هل الأكل والشرب من الرفث إلى النساء ؟

الأكل والشرب مع النساء فقط هو من الرفث إلى النساء , أما الأكل والشرب منفرداً فليس من الرفث إلى النساء .

وعلى من يزعم عموم الأكل والشرب أن يزعم عموم المباشرة وعموم ابتغاء ما كتب الله لنا .

فعلى من يحرم الأكل والشرب في نهار رمضان ظناً منه أنه أريد به العموم أن يحرم مباشرة كل الأعمال في وقت الصيام وأن يحرم ابتغاء كل ما كتب الله لنا وقت الصيام .

فهل سيفعلون ذلك ؟ هل يستطيع أحد ذلك ؟

هل أريد بالمباشرة وابتغاء ما كتب الله لنا العموم ؟

إذا لم يرد العموم فلماذا تزعمون العموم في الأكل والشرب ؟

وإذا أراد العموم فلم تبيحون مباشرة الأعمال وابتغاء ما كتب الله لنا من مال في نهار رمضان ؟

ــــــــــــــــــــــــ

قال الله : "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)" ( البقرة ) .

والسؤال : هل ابتغاء فضل الله هنا عام أم خاص ؟

لا , بل خاص .

هل ابتغاء الولد أو العفة أو المتعة هو ابتغاء فضل الله أم لا ؟

نعم .

فهل أباح الله لنا ابتغاء الولد أو العفة أو المتعة في الحج ؟

لا , لأن المراد هنا الخصوص وليس العموم .

 كذلك ابتغاء ما كتب الله لنا في آيات الصيام أراد الله به الخصوص , فهو خاص فيما بين الرجل وامرأته .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

والكلام السابق عن العام والخاص كلام أصولي , يفهمه الأصوليون كما يفهمه العوام لأني فصلته تفصيلاً , ولكني أحب أن أعبر بالحساب أو الرياضة وأن أضرب الأمثال للتبسيط , فلقد ضرب الله الأمثال في القرآن لعلنا نتذكر ونعقل ونتفكر , قال الله : "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) " ( إبراهيم ) , وقال الله : "وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ" [العنكبوت : 43] , وقال الله : "لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" [الحشر : 21].

مثال : نفترض أن ملكاً من ملوك الدنيا نهى عماله عن شيء معين أثناء عملهم نهاراً وليلاً , ولنرمز لهذا الشيء بالرمز "ك" , ثم اختان العمال أنفسهم فكانوا يفعلون نوعاً من هذا الشيء , فعفا الملك عنهم , وقال : أحللت لكم ليلة العمل "ر" , ثم فصل الملك لعماله تحليله ل "ر" فقال : فالآن افعلوا "م" و "غ" و "ل" و"ش".

والسؤال لأهل الحساب والرياضة :

هل "ك" تشمل "ر" أم لا ؟

نعم , "ك" تشمل "ر" .

هل "ر" نوع من "ك" أم لا ؟

نعم , "ر" نوع من "ك" .

ماذا تعني "ر" ؟ أو ماذا تساوي "ر" ؟

"ر" تعني "م" و "غ" و "ل" و "ش" مجتمعين .

وبالمعادلات : ر = م + غ + ل + ش .

ولا يقول عامل عاقل من عمال الملك أن ( ر = م + غ ) فقط , فمن يزعم ذلك يزعم خطأ الملك أو ركاكة كلامه .

فإذا كان الملك عليماً حكيماً فلا يبقى إلا احتمال واحد وهو جهل وخطأ هذا العامل .

فالكلام هو "ك" .

والرفث إلى النساء هو "ر" .

ومباشرة النساء هي "م" .

وابتغاء ما كتب الله لنا هو "غ" .

والأكل هو "ل" .

والشرب هو "ش" .

فالكلام يشمل الرفث إلى النساء , والرفث إلى النساء نوع من الكلام .

والرفث إلى النساء يشمل مباشرتهن وابتغاء ما كتب الله لنا منهن والأكل والشرب معهن .

أي أن المباشرة وابتغاء ما كتب الله لنا والأكل والشرب داخلون في الرفث إلى النساء , فالمقصود بهم الخصوص وليس العموم .

فالحكيم قد فصل وبين معنى الرفث إلى النساء الذي اختلف فيه السلف والخلف , فكل ما هو مذكور في الآية داخل في الرفث إلى النساء .

وعلى ذلك فالمقصود مباشرة النساء وليس مباشرة كل الأعمال , والمقصود ابتغاء ما كتب الله لنا من النساء وليس ابتغاء كل ما كتب الله لنا , فابتغاء ما كتب الله لنا من عمل صالح كمساعدة المحتاج مشروع , والمقصود الأكل والشرب مع النساء وليس الأكل والشرب على العموم , فالأكل والشرب منفرداً في نهار رمضان ليس ممنوعاً .

ـــــــــــــــــــــــــــ

سؤال : لقد أنزل الله التخفيف باستثناء الرفث إلى النساء ليلة الصيام , فكيف لا يذكر معه الأكل والشرب إذا كان منهياً عنه , بل يذكره بعده على سبيل تفصيل معنى الرفث ؟

فلو كان الصيام يشمل التجويع والتعطيش كما تقولون لجاءت آية تحرمه أولاً ولكان التخفيف هكذا "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ وأحل لكم الأكل والشرب عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" .

أو لكان هكذا : "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الأكل والشرب والرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" .

ولكن أين الآية التي تحرم الأكل والشرب قبل ذلك ؟

وكيف كانوا يصومون عن الأكل والشرب ليلاً ونهاراً طوال الشهر ؟ هل هذا معقول ؟

وكيف يختلف  صيامنا عن صيام الذين من قبلنا وقد أمرنا الله بأن نتبعهم وأن نصوم مثلهم ؟

وكيف يكون شرعنا أغلظ وأعسر وأشد من شرع من قبلنا ؟

إن الصيام في شرع الذين من قبلنا كان صياماً عن الكلام , فكيف يكون صيامنا عن الأكل والشرب ؟

وكيف يكون الناسخ أغلظ وأعسر وأشد من المنسوخ , ومن شروط الناسخ أن يكون أخف من المنسوخ ؟ هل هذا تخفيف أم تشديد ؟

لقد قال الله : "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ" ( الأنفال : 65 ) .

ثم أنزل الله التخفيف فقال : "الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" ( الأنفال : 66) .

والسؤال : هل التخفيف في الآية كان تشديداً أو تعسيراً ؟

وهل التخفيف كان في القتال أيضاً أم في أمر آخر ؟

هل يعقل أن يذكر الله أمراً ليس له علاقة بالقتال كالأكل والشرب مثلاً في آية التخفيف ؟

لو ذكر الله الأكل والشرب في آية التخفيف لكان خاصاً بالقتال أو متعلقاً به أو داخلاً فيه كمؤونة الحرب وليس عاماً , ولكان تخفيفاً أيضاً وليس تشديداً , ولكانت توجد آية قبل ذلك فيها مشقة تذكر الأكل والشرب .

ـــــــــــــــــــ

إن قول الله : " ... فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ... " ( البقرة : 187 ) , يدل على أن المباشرة وابتغاء ما كتب الله لنا والأكل والشرب كانوا محرمين ليلة الصيام ونهاره قبل ذلك .

والسؤال : أين الآية التي تحرم المباشرة ليلة الصيام ونهاره قبل ذلك ؟

أين الآية التي تحرم ابتغاء ما كتب الله لنا ليلة الصيام ونهاره قبل ذلك ؟

أين الآية التي تحرم الأكل والشرب ليلة الصيام ونهاره قبل ذلك ؟

وإذا كان الصيام يعني التجويع والتعطيش أصلاً كما يزعم الأثريون , فلماذا يذكر الله الأكل والشرب في آية التخفيف ؟

إن هذا تحصيل حاصل , ولغو , سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ .

هل يُعقل أن يقول الله :(فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وتزينوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) ؟

وهل التزين كان ممنوعاً أصلاً ؟

لو قال الله : "وتزينوا" , لوجب أن يكون التزين ممنوعاً قبل ذلك , أو لكان التزين خاصاً فيما بين الرجل وامرأته , أو لكان الأمر بالتزين على سبيل الإرشاد أو التوكيد .

فهل سيعقِل الأثريي ويقول أن المراد بالأكل والشرب الخصوص ؟

أم سيزعم أن الأكل والشرب كان محرماً طوال الشهر بليله ونهاره ؟

وهذا لا يقول به عاقل .

أم سيستدل بآثاره الباطلة المكلمة لنواقص القرآن المزعومة والتي تزعم بأن صحابياً نام ليلة الصيام ثم استيقظ ـ وكان محرماً عليهم الأكل والشرب والرفث إلى النساء إذا ناموا ليلاً ـ فكاد الصحابي أن يهلك لعدم أكله وشربه , وعلم النبي بذلك فأنزل الله التخفيف ؟

جاء صحيح البخاري : (1791)- [1915] حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ "، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ" ، فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ" .

فهذا باطل من وجهين :

الوجه الأول : بطلان السند ونكارة المتن .

وبرغم بطلان حجية الآثار أتحدى أي أثري أن يأتي بسند صحيح لتلك الآثار .

أما المتن فمنكر جداً ولا يقبله عاقل , فالله أرحم الراحمين وهو غني عن تعذيبنا , فكيف يأمرنا بهذا الأمر الشاق ؟

والله أحكم الحاكمين , فكيف يأمر بأمر يناقض الحكمة ؟

والله علام الغيوب , فكيف لا يعلم أن هذا الأمر سيهلك الناس ؟

وهل انتظر الله حتى كاد الرجل أن يهلك ثم انتظر لما علم نبيه ثم أنزل التخفيف ؟ ما هذا الهراء .

الوجه الثاني : سنفترض حجية الآثار , وأن تلك الآثار صحيحة السند والمتن , فإنها لا تصلح أصلاً للاستدلال , لأنها تحتاج إلى نص صحيح صريح قبلها يحرم عليهم الأكل والشرب إذا نام الإنسان ليلة الصيام .

ـــــــــــــــــــــــــــ

سؤال :

لقد صام النبي والمؤمنون عن الكلام ليلاً ونهاراً , مثل صيام الذين من قبلنا , كما أمرهم الله , ولكن بعض الناس كانوا يختانون أنفسهم فيرفثون إلى نسائهم , فخفف الله عنا فاستثنى الرفث إلى النساء ليلاً من هذا الصيام , ثم فصل الله تحليل الرفث إلى النساء ليلة الصيام بقوله : "فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" , أي أن الرفث إلى النساء هو مباشرتهن وابتغاء ما كتب الله معهن أو منهن والأكل والشرب معهن أو منهن , ثم نهى عن مباشرة النساء ونحن عاكفون في المساجد , فقال : "وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ" .

والسؤال : كيف كان يصوم النبي والمؤمنون قبل نزول قول الله : " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" ( البقرة : 187 ) ؟

ما الدليل على تحريم الأكل والشرب قبل نزول هذه الآية التي تزعمون عموم الأكل والشرب فيها ؟

كيف علم النبي والمؤمنون بأن الأكل والشرب ممنوع في نهار رمضان قبل نزول هذه الآية ؟

وكيف علم النبي والمؤمنون بأن الأكل والشرب ممنوع من تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى الليل قبل نزول هذه الآية ؟

إن القرآن كاف كامل تام مبين ومفصل في نفسه وتبيان وتفصيل لكل أمور الدين فأين الآية التي تبين للنبي والمؤمنين أن الأكل والشرب ممنوع من تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى الليل قبل نزول هذه الآية ؟

لا يقول عاقل أن الدليل هو قول الله : "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" ( البقرة : 187 ) " .

وذلك لأنها لم تنزل بعد .

عند محاولة الإجابة على الأسئلة السابقة تتبين لنا الأمور التالية :

الأمر الأول : أن صيامنا مثل صيام الذين من قبلنا , فهو صيام عن الكلام .

الأمر الثاني : أن الصيام كان يشمل الليل والنهار , ثم أنزل الله التخفيف فاستثنى الرفث إلى النساء ليلة الصيام .

الأمر الثالث : أن المباشرة ليست عامة , وأن ابتغاء ما كتب الله لنا ليس عاماً , وأن الأكل والشرب ليس عاماً , فالمقصود فقط الرفث إلى النساء , أي مباشرة النساء وابتغاء ما كتب الله لنا من النساء والأكل والشرب مع النساء .

فالصيام صيام عن الكلام وليس عن مباشرة الأعمال أو ابتغاء المال أو الأكل والشرب منفرداً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

سؤال للأزهرية : لماذا لا تقولون أن المقصود هو اجتماع الأكل والشرب بمباشرة النساء وابتغاء ما كتب الله لنا منهن ؟

نرى الأزهرية يريدون تصحيح آثار البخاري وفي نفس الوقت يريدون إباحة المعازف , فماذا يقولون في أثر البخاري الباطل "يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف" ؟

يقولون : أن المعازف المحرمة هي ما أضيفت إلى الحر والحرير والخمر , فتحرم عند إضافتها أو اجتماعها بتلك الأشياء , أما إذا كانت منفردة فتكون حلالاً .

وأقول : فلماذا إذاً لا تقولون : أن الأكل والشرب المنهي عنه في الصوم يكون عند الاجتماع بمباشرة النساء وابتغاء ما كتب الله لنا منهن أي أن الأكل والشرب المنهي عنه هو الأكل والشرب معهن ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

المعنى الثاني : أن المقصود بالمباشرة وابتغاء ما كتب الله لنا الخصوص , ولكن المقصود بالأكل والشرب العموم .

وهذا مستحيل , إذ كيف نفرق بينهم ؟

ولكن حينئذ سيكون التوجيه بأن الأمر بالأكل والشرب هنا على سبيل الإرشاد أو التوكيد .

أي أن الله أمرنا بالأكل والشرب قبل أو عند أو بعد الرفث إلى النساء , فالأكل والشرب قبل أو عند أو بعد الرفث إلى النساء أوكد في هذا الوقت , وليس محرماً في وقت آخر , كما أن الزينة عند المسجد أوكد وليست محرمة عند غير المسجد .

قال الله : "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" [الأعراف : 31] .

وكما أن الفسوق حرام , ولكنه أشد حرمة في الحج .

قال الله : "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)" ( البقرة ) .

سؤال : هل الفسوق حلال في غير الحج ؟

لا , بل حرام أيضاً , ولكنه أشد حرمة في الحج .

كذلك الأكل والشرب فالله أمرنا بهما على العموم نهاراً وليلاً , قال الله : "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" [الأعراف : 31] , ولكنه أكد الأمر بهما قبل أو عند أو بعد مباشرة النساء وابتغاء ما كتب الله لنا منهن , وذلك لحاجة الجسد لهما في هذا الحال , أو لأن المتعة لا تكتمل إلا بهما .

المثال الأول : ابن يريد السفر في الخارج أربع سنوات للتعلم , فقال له أبوه : سافر وتعلم واتق الله واهتم بصحتك في سفرك ؟

فهل السفر والتعلم والتقوى والاهتمام بالصحة مؤقتون بهذه السنوات الأربع ؟

لا , فالسفر فقط هو المؤقت , أما الأمر بالتعلم والتقوى والاهتمام بالصحة فهو من باب الإرشاد أو التوكيد , فإن التعلم والتقوى والاهتمام بالصحة في حال السفر للتعلم وحال الغربة والوحدة أوكد من غيره .

المثال الثاني : ابن يريد السفر للعلاج , فقال له أبوه : سافر وادعُ ربك وكل واشرب وتجنب ما يضرك في فترة علاجك .

فهل السفر والدعاء والأكل والشرب وتجنب ما هو ضار مؤقتون بفترة العلاج ؟

لا , فالسفر فقط هو المؤقت , أما الأمر بالدعاء وتجنب الضار فهو من باب الإرشاد أو التوكيد , فإن الدعاء وقت الحاجة أوكد من غيره , وإن تجنب الضار وقت المرض أوكد من غيره .

المثال الثالث : ابن يريد السفر مع زوجته لقضاء شهر العسل في بلدة ساحلية مثلاً , فقال له أبوه : سافر والعب وافرح وتنفس هواء نظيفاً وكل واشرب وتزين وتمتع في هذا الشهر .

والسؤال : هل السفر واللعب والفرح وتنفس الهواء النظيف والأكل والشرب والتزين والتمتع مؤقتون كلهم بهذا الشهر ؟

لا , بل السفر فقط هو المؤقت بهذا الشهر .

إذاً فلماذا أمر الأب ابنه باللعب والفرح وتنفس الهواء النظيف والأكل والشرب والتزين والتمتع في شهر العسل ؟

كل هذه الأوامر أوامر إرشادية , أو من باب التوكيد , فإن الأب يقصد أن هذه الأوامر أوكد في هذا الشهر من غيره .

ــــــــــــــــــــــــــــ

المعنى الثالث : أن المباشرة خاصة , وأن ابتغاء ما كتب الله لنا خاص , وأن الأكل والشرب خاص , ولكن لا يقصد بهما الطعام أو الإطعام .

والسؤال :

هل الأكل في القرآن واللسان العربي ليس له إلا معنى واحداً ؟

هل الشرب في القرآن واللسان العربي ليس له إلا معنى واحداً ؟

هل الأكل في القرآن واللسان العربي يعني فقط الطعام أو الإطعام أو تناول الطعام بالفم ؟

هل الشرب في القرآن واللسان العربي يعني فقط السقيا أو تناول السائل بالفم فقط ؟

لا , بل إن الآية التي تلي آيات الصيام نجد فيها أن الأكل لا يعني ذلك .

قال الله : " وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" ( البقرة : 188 ) .

فهل المعنى يتناولون المال بالفم ويمضغونه ويبلعونه ويهضمونه ؟

كذلك الآيات التالية لا يعني الأكل فيها التناول بالفم .

قال الله : " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " [البقرة : 275] .

وقال الله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [آل عمران : 130] .

وقال الله : " وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا " [النساء : 2] .

وقال الله : " وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا " [النساء : 6] .

وقال الله : " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا " [النساء : 10] .

وقال الله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا " [النساء : 29] .

وقال الله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " [التوبة : 34] .

وقال الله : " وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا " [الفجر : 19] .

وقال الله : "وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ" [المؤمنون : 20] .

هل زيت الزيتون صبغ فقط للطاعمين وليس للداهنين ؟

قال الله : "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" [البقرة : 93] .

فهل تناولوا العجل عن طريق الفم ؟ هل كان العجل سائلاً ثم شربوه بأفواههم ؟ أم أن المقصود هو الاتخاذ ؟

قال الله : "وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ" [البقرة : 51]

وقال الله : "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" [البقرة : 54]

وقال الله : "وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ" [البقرة : 92]

وقال الله : "يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا" [النساء : 153]

وقال الله : "وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ" [الأعراف : 148]

وقال الله : "إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ" [الأعراف : 152]

فالأكل والشرب يعنيان الاتخاذ والتناول والتعاطي والشبع .

وسنفترض جدلاً أن الأكل في القرآن واللسان العربي يعني فقط الطعام أو الإطعام أو تناول الطعام بالفم , وأن الشرب في القرآن واللسان العربي يعني فقط السقيا أو تناول السائل بالفم , فالسؤال :

لماذا تقولون أن بخاخ الربو مفطر , وهو ليس مطعوماً ؟

ولماذا تقولون أن السجائر مفطرة , وهي ليست مطعومة ؟

ولماذا تقولون أن الإبر المغذية مفطرة , وهي لا يتم تناولها عن طريق الفم ؟

فإذا قلنا أن الأكل والشرب لا يعنيان التناول بالفم , فهما يعنيان في الآية تناول النساء وتعاطيهن واتخاذهن والشبع والري منهن أي التمتع بهن .

ومما يستأنس به أن الله قال في آيات الصيام : "أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" [البقرة : 184] .

الشاهد قول الله : "طَعَامُ" , ولم يقل أكل , أي أن الأكل والشرب في آيات الصيام لا يعني الطعام أو الإطعام .

كما يستأنس بأن الله نهانا عن مباشرة النساء ونحن عاكفون في المساجد , ولم ينه عن الأكل والشرب معهن ونحن عاكفون في المساجد , وهذا له عدة احتمالات , منها أن الأكل والشرب لا يراد بهما تناول الطعام , والاحتمالات هي :

الاحتمال الأول : أن الأكل والشرب يراد بهما تناول الطعام معهن , وأن الأكل والشرب معهن من مباشرتهن , لذا فالنهي عن مباشرتهن نهي عن الأكل والشرب معهن .

الاحتمال الثاني : أن الأكل والشرب يراد بهما تناول الطعام معهن , وأن الأكل والشرب معهن لا يدخلان في مباشرتهن , لذا فالأكل والشرب معهن حلال ونحن عاكفون في المساجد .

الاحتمال الثالث : أن الأكل والشرب يراد بهما اتخاذ النساء وتناولهن والشبع منهن , وأنهما يدخلان في مباشرتهن , لذا فالنهي عن مباشرتهن نهي عن تناولهن والشبع منهن .

الاحتمال الرابع : أن الأكل والشرب يراد بهما اتخاذ النساء وتناولهن والشبع منهن , وأنهما لا يدخلان في مباشرتهن , ولكن المباشرة طريق لتناولهن والشبع منهن , لذا فالنهي عن مباشرتهن نهي عن تناولهن والشبع منهن من باب اللزوم .

ــــــــــــــــــــــــــ

سؤال :

لقد أباح الله مباشرة النساء في ليلة الصيام وابتغاء ما كتب الله منهن والأكل والشرب معهن , وقد يمكث الرجل في المسجد ليلاً سواء المسجد الذي في بيته أو أي مسجد آخر , فبين الله أن مباشرة النساء في المساجد ممنوعة , فهي أماكن عبادة , والمباشرة تعني القوامة والتولي والمزاولة كما تعني وضع البشرة على البشرة , والمسجد ليس مكاناً لقوامة الرجل على المرأة أو وضع بشرته على بشرتها .

والسؤال : لماذا نهى الله عن مباشرة النساء ونحن عاكفون في المساجد ولم ينه عن ابتغاء ما كتب الله لنا منهن ونحن عاكفون في المساجد ؟

إن مباشرة النساء طريق لما كتب الله لنا من النساء , سواء كانت مباشرتهن تعني القوامة والتولي والمزاولة أو تعني وضع البشرة على البشر , فإذا نهى الله عن مباشرة النساء فهو نهي عن ابتغاء ما كتب الله لنا منهن من باب اللزوم .

كما أن النهى عن الأدنى نهي عن الأعلى من باب أولى .

والسؤال الثاني : لماذا نهى الله عن مباشرة النساء ونحن عاكفون في المساجد ولم ينه عن الأكل والشرب معهن ونحن عاكفون في المساجد ؟

انظر الاحتمالات الأربعة السابقة .

ـــــــــــــــــــــــــــ

ولكني أرى أن المعنى الأول هو الصواب فالمراد الخصوص وليس العموم , أما المعنى الثاني فمستحيل , وكذلك المعنى الثالث أراه بعيداً .

ـــــــــــــــــــــــــــ

ولينتبه كل متدبر إلى وجود ضمير في قول الله : "باشروهن" وهذا دليل على الخصوص , ومن ثم يجب إعمال الضمائر في الثلاثة أفعال الأخرى حتى يتبين لنا المراد .

فإذا أعملنا الضمائر في الثلاثة أفعال الأخرى كان المعنى هكذا :

فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم منهن وكلوا معهن واشربوا معهن , وهنا يكون المراد الخصوص ولا سبيل لتحريم الأكل والشرب منفرداً في نهار الصيام .

أو : فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم معهن وكلوا معهن واشربوا معهن , وهنا يكون المراد الخصوص ولا سبيل لتحريم الأكل والشرب منفرداً في نهار الصيام .

أو : فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم منهن وكلوا منهن واشربوا منهن , ويراد بالأكل والشرب الطعام , أي تكون النساء هي المباشرة والمتولية والمزاولة والقائمة على الأكل والشرب , فمن معاني المباشرة التولي والمزاولة والقوامة , فكما أحل الله للرجل أن يتولى أمر زوجته في ليلة الصيام كذلك أحل لها أن تتولى أمر أكله وشربه في ليلة الصيام .

أو : فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم منهن وكلوا منهن واشربوا منهن , ولا يراد بالأكل والشرب الطعام , أي وانهلوا وتعاطوا وارتووا منهن أي تمتعوا واشبعوا من نسائكم .

ولكني أرى أن هذا المعنى الأخير بعيد جداً .

وسواء قلنا بهذا أو ذاك , فإن الأكل والشرب منفرداً لا يعارض الصيام .

ــــــــــــــــــــــــــ

ومما يدل على فساد مذهب الأثريين , وأن الشيطان أضلهم فحرف عباداتهم , وجعلهم يصومون خطأ , كما جعلهم يفعلون في صيامهم ما نهى الله عنه مباشرتهم لنسائهم في نهار الصيام , استدلالاً منهم بالأثر الباطل التالي , وأكتفي بروايات المدلسين البخاري ومسلم :

جاء في صحيح البخاري : (1801)- [1927] حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ "، وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَآرِبُ حَاجَةٌ، قَالَ طَاوُسٌ: غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ الْأَحْمَقُ، لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ .

وجاء في صحيح البخاري : (1802)- [1928] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ "، ثُمَّ ضَحِكَتْ .

وجاء في صحيح مسلم : (1858)- [1106] حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ إِحْدَى نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ "، ثُمَّ تَضْحَكُ .

وجاء في صحيح مسلم : (1859)- [1106] حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ؟ " فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: " نَعَمْ " .

وجاء في صحيح مسلم : (1860)- [1106] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ، وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْلِكُ إِرْبَهُ " .

وجاء في صحيح مسلم : (1861)- [1106] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.ح وحَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ " .

وجاء في صحيح مسلم : (1862)- [1106] حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ " .

وجاء في صحيح مسلم : (1863)- [1106] وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ " .

وجاء في صحيح مسلم : (1864)- [1106] وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا، وَمَسْرُوقٌ إلى عائشة رضي الله عنها، فقلنا لها: " أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ؟ "، قَالَتْ: " نَعَمْ وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ، أَوْ مِنْ أَمْلَكِكُمْ لِإِرْبِهِ "، شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ، وحَدَّثَنِيهِ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، وَمَسْرُوقٍ، أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لِيَسْأَلَانَهَا، فَذَكَرَ نَحْوَهُ .

وجاء في صحيح مسلم : (1865)- [1106] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ "، وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ .

وجاء في صحيح مسلم : (1866)- [1107] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يُقَبِّلُ فِي شَهْرِ الصَّوْمِ " .

وجاء في صحيح مسلم : (1867)- [1108] وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ " .

وجاء في صحيح مسلم : (1868)- [1109] وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : " كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ " .


والسؤال : إن كتاب الله يبين لنا أن الله قد نهى عن مباشرة النساء في نهار الصيام , كما نهانا عن مباشرتهن ونحن عاكفون في المساجد , فكيف تبيحون مباشرة النساء في نهار الصيام ؟

هل تقدمون الأثر الباطل على كتاب الله ؟

أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ؟

أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ؟

هل تنسخون كتاب الله بأثر ؟

كيف ومن شروط الناسخ أن يكون آية ؟

كيف ينسخ غير المتلو المتلو , مما يطعن في حكمة أحكم الحاكمين ؟

كيف ينسخ الآحاد المتواتر , ومن شروط الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ ؟

كيف ينسخ الباطل الصحيح , ومن شروط الناسخ أن يكون صحيحاً وأن يكون أقوى من المنسوخ ؟

كيف ينسخ ظني الثبوت أو عديم الثبوت قطعي الثبوت , ومن شروط الناسخ أن يكون صحيحاً وأن يكون أقوى من المنسوخ ؟

كيف تقبلون آثاراً موضوعة تزعم أن الرسول كان يخالف أمر ربه فيباشر ويقبل وهو صائم ؟

وهل يوجد سب للنبي أكثر من ذلك ؟

كيف تقبلون هذا الوصف في رسول الله ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

شبهة منافع التجويع والتعطيش :

قد يقال أن التجويع والتعطيش فيهما منافع .

أقول : إن التجويع والتعطيش فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما .

ولو كان أثر "صوموا تصحوا" الباطل سنداً صحيحاً متناً , وكان الصيام يعني التجويع والتعطيش لما مرض أحد أو ضعف أو هلك بسبب التجويع والتعطيش , فالملايين يموتون من المجاعات فما صحوا وما عقل من يردد تلك الكلمات .

ولو كان هذا الأثر صحيحاً متناً , وكان الصيام يعني التجويع والتعطيش , لجاع كل المرضى وعطشوا ثم صحوا , وما كانت هناك مستشفيات أو أطباء أو أدوية أو مرضى .

ولو كان هذا الأثر صحيحاً متناً , وكان الصيام يعني التجويع والتعطيش , لما كان لمريض أن يفطر حسب تفسيركم , بل لصام الهرم ورجع شاباً , لا أن تفطروه .

سؤال : ألا ينخفض ضغطكم وسكركم وتجف أبدانكم ويقل انتباهكم ويضعف نشاطكم وتخور قواكم بالتجويع والتعطيش ؟

وعجباً للأثريين الذين يزعمون أن التجويع والتعطيش يضيق مجاري الدم فتضيق مجاري الشيطان لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم , وهذا بالرغم من أنهم يزعمون أن الشياطين تصفد في رمضان .

ــــــــــــــــــــــــــــــ

سؤال : هل الجائع الظمآن الضعيف قادر على عمل الصالحات أو تعمير الأرض ؟

هل عمل الصائم عن الأكل والشرب مثل عمل المفطر ؟

وقد يقال وهل الصائم عن الكلام قادر على عمل الصالحات أو تعمير الأرض ؟

أقول : نعم , ولو افترضنا أن الصيام عن الكلام يعارض ذلك , فهو شهر للتزكية , ومن ثم سيورث عمل الصالحات وتعمير الأرض في بقية الشهور .

فلا يقال أن تعليم الطب يتعارض مع إسعاف المريض , لأن المتعلم مشغول بالتعلم , ولا يسعف المرضى .

فطالب الطب يتعلم فإا تعلم قام بإسعاف المريض بعد ذلك .

فضلاً عن أن الكل لن يصوم , فمن يطيق الصيام ولا يريد الصوم لأي سبب كالعمل مثلاً عليه الفدية .

وقد يُرد علي بالمثل ويقال أن شهر التجويع والتعطيش هو شهر التزكية لبقية الشهور .

وأقول : أين التزكية في ذلك ؟ وهل الجوعى الظمأى ـ سواء كانوا مختارين أو مضطرين ـ تنتشر بينهم الفضيلة ؟ أليست الشعوب التي تصوم الصيام الأثري في ذيل الأمم ؟ ألا تنتشر الجريمة بين الفقراء الذين يصومون صوماً إجبارياً ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــ

وأختم بهذه الأسئلة :

ما هو صيام الذين من قبلنا في القرآن ؟

هل أمرنا الله باتباع شرع من قبلنا ؟

هل أمرنا الله أن نصوم مثل صيام الذين من قبلنا ؟

ما الدليل على التجويع والتعطيش من تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى الليل قبل نزول قول الله : "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ( البقرة : 187 ) ؟

كيف علم النبي والمؤمنون أن الصيام هو صيام عن الأكل والشرب قبل نزول هذه الآية التي تزعمون عموم الأكل والشرب فيها ؟

هل أمر الله مريم أن تتسحر بالرطب ؟

هل أمر الله زكريا ومريم أن يمسكوا عن الطعام والشراب من تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم يتموا الصيام إلى الليل ؟ أم كان صياماً عن الكلام ليلاً ونهاراً ؟

هل التجويع والتعطيش يورثان التقوى ؟

إن الأمة تصوم عن الأكل والشرب فما بالها في ذيل الأمم , ما بال شعوبنا أخون الشعوب ولا يعرفون عن الأمانة شيئاً ؟

والله لو كان التجويع والتعطيش يورثان التقوى لما كان هذا حالنا .

يروي الأثريون عن ابن مسعود عن النبي أنه قال : "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" . ( البخاري ومسلم ) .

والسؤال : هل التجويع والتعطيش نهاراً وجاء نهاراً وليلاً ؟

أم أن الصوم عن كلام الإنس نهاراً وليلاً , والخلوة وتدبر كلام الله وذكره ودعائه هو الوجاء ؟

 يروي الأثريون عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ". ( البخاري ومسلم ) .

والسؤال : هل التجويع والتعطيش جنة ؟

من كان يرى أن الصيام يعني التجويع والتعطيش هل يستطيع الإجابة على أسئلة هذا الفصل ؟

إذا استطاع سأرجع عن قولي وأقول بالتجويع والتعطيش , إن شاء الله .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

والخلاصة :

أولاً : إن صيام الذين من قبلنا كان عن الكلام , وكان ليلاً ونهاراً , كما هو مبين في كتاب الله .

قال الله : "قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ" ( آل عمران ) :  41) .

وقال الله : "قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) " ( مريم ) .

وقال الله : "فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) " ( مريم ) .

ثانياً : أن الله أمرنا باتباع شرع من قبلنا , فقال : "أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ" [الأنعام : 90] .

ثالثاً : أن الله أكد وفصل أكثر فأمرنا أن نصوم مثل صيام الذين من قبلنا فقال : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)" ( البقرة ) .

رابعاً : بين الله وقت الصوم فقال : "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" ( البقرة : 185 ) .

فكان الصيام عن الكلام في شهر رمضان بليله ونهاره .

خامساً : صام النبي والمؤمنون مثل صيام الذين من قبلنا , فكانوا يصومون عن الكلام نهاراً وليلاً , ولكن بعض الناس كانوا يختانون أنفسهم فيرفثون إلى نسائهم , فخفف الله عنا فأحل لنا الرفث إلى النساء ليلاً , قال الله : "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ ... " ( البقرة : 187 ) .

فالرفث إلى النساء كان محرماً طوال شهر رمضان , أي ليلاً ونهاراً , ثم خفف الله عنا فأحل لنا الرفث إلى النساء ليلاً .

سادساً : فصل الله معنى الرفث إلى النساء ليلاً , فقال : " ... فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ... " ( البقرة : 187 ) .

فالمباشرة كانت محرمة طوال شهر رمضان بليله ونهاره , وابتغاء ما كتب الله لنا كان محرماً طوال شهر رمضان بليله ونهاره , والأكل والشرب كان محرماً طوال شهر رمضان بليله ونهاره , ثم خفف الله علينا فأباحهن ليلة الصيام .

ولا يكون ذلك إلا بأن يكون المراد هو الخصوص , فكيف يمتنع الناس عن مباشرة أي شيء شهراً بليله ونهاره ؟ وكيف يمتنعون عن ابتغاء كل ما كتب الله لهم شهراً بليله ونهاره ؟ وكيف يمتنعون عن كل الأكل والشرب شهراً بليله ونهاره ؟

سابعاً : حرم الله مباشرة النساء ونحن عاكفون في المساجد فقال : " ... وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" ( البقرة : 187 )  .

وهذا مما يؤكد أن الكلام كله في الرفث إلى النساء , وليس في أمر خارج عن ذلك , أي أن الأكل والشرب إما أنهما داخلان في المباشرة أي أنهما خاصان , أو غير داخلين في المباشرة أو الرفث , ومن ثم يكونا غير مؤقتين ويكون الأمر بهما من باب الإرشاد أو التوكيد  .

ــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين