السبت، 8 سبتمبر 2018

الحائض والنفساء والحاجم والمحجوم

فصل
الحائض والنفساء والحاجم والمحجوم

لقد تكلمت عن مسألة الحيض والنفاس في رسالتي : "بيان الصلاة التي أمر الله بها عباده" , فصل : "بطلان أثر ناقصات عقل ودين" , وفصل : "ما معنى جنباً" ؟

ولكني فضلت أن أجعل لها فصلاً مستقلاً مع التفصيل .

وأقول : لا يوجد دليل على بطلان صلاة وصيام وطواف الحائض والنفساء , كما لا يوجد دليل على بطلان صيام الحاجم والمحجوم .

وبرغم بطلان حجية الآثار فلا يوجد أثر صحيح السند يزعم ذلك .

وذلك فضلاً عن نكارة متون تلك الآثار , فلقد أتت بأحكام لم ترد في القرآن , والقرآن كاف كامل تام لم يفرط الله فيه , لذا فمن يؤمن بتلك الآثار فإنه يكفر بكفاية القرآن وكماله وتمامه وعدم تفريط الله فيه , كما يكفر ببيانه وتفصيله في نفسه وتبيانه وتفصيله لكل أمور الدين .

وإذا كان هناك حكماً خاصاً للحائض في الصلاة والصيام والطواف لبينه الله في كتابه كما بين الحكم الخاص للحائض وهو اعتزال زوجها في المحيض , فالله لا يضل ولا ينسى .

وإن أمر الصلاة والصيام والطواف أولى بالذكر في كتاب الله من أمر اعتزال الزوج , فلو كان القرآن ناقصاً لذا توجد آثار تكمله كما يزعم الإخوة الأثريون , لذكر الله الأمر الخاص بالصلاة والصيام والطواف في كتابه ولجعل الأمر الخاص بالزوج في الآثار .

ولكن أن يبين الله في كتابه المتلو من الصغير والكبير هذا الأمر ـ الذي يستحيا منه ـ فهذا يدل على أن القرآن مبين ومفصل في نفسه وتبيان وتفصيل لكل أمور الدين ؛ لذا لا توجد آثار تفسر مبهماته المزعومة .

كما يدل على أن القرآن كاف كامل تام لم يفرط الله فيه , لذا لا توجد آثار تكمل نواقصه المزعومة .

ومن ثم فإن للحائض والنفساء الصلاة والصيام والطواف , ولا يوجد دليل على منعها من ذلك , بل إن الأدلة تشرع لها ذلك , فكما يقال : ما استدل مبتدع بدليل إلا وكان حجة عليه لا له .

ومن الأدلة ما يلي :

الدليل الأول : قال الله : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا" [النساء : 43] .

والسؤال : هل ذكر الله الحائض والنفساء في الآية ؟

لا .

هل الحائض أو النفساء جنب , ومن ثم تكون جنباً مضطرة لا تستطيع رفع جنابتها كالجنب عابر السبيل , لذا لها أن تصلي بدون اغتسال ؟ أم أنها ليست جنباً أصلاً ؟

ليست جنباً أصلاً .

إذا كانت الحائض والنفساء جنباً , فما الدليل على ذلك ؟

لا دليل على ذلك .

لم يرد ذكر الحائض والنفساء في الآية , لذا فهما مثل غيرهما , كمن جاء من الغائط .

ولو سلمنا جدلاً أن الحائض والنفساء جنب ـ وهذا خطأ ـ للزم أن نقول أن معنى قول الله : "... وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ..." [النساء : 43] هو : ولا حيضاً أو نفساوات إلا عابرات سبيل حتى تغتسلن .

فهل يجرؤ الإخوة الأثريون أن يقولوا بذلك , وهم يمنعون الحائض والنفساء من الصلاة حتى وإن كانتا عابرتي سبيل ؟

إن من يقول أن الحائض والنفساء جنب وجب عليه أن يقول أن الحائض والنفساء لا يقربا الصلاة إلا عابرات سبيل حتى يغتسلا .

ووجب عليه أن يقول أن الحائض والنفساء يجب عليهما الاغتسال عند الصلاة حتى ولو لم ينقطع عنهما الدم لأن الأمر على الفور , ولأن لله لم يقل : لا يقربا الصلاة حتى ينقطع عنهما الدم .

لذا فسواء قلنا أن الحائض أو النفساء جنب أم لا فهي مثل غيرها فلن تنتظر انقطاع الدم , ولن تُمنع من الصلاة أو الصيام أو الطواف ولن يبطل الله صلاتها أو صومها أو طوافها .

نعم , إن الدم مما يجتنب سواء كان رعافاً أو نزيفاً أو استحاضة أو حيضاً أو نفاساً , ولكن هل تكون الحائض أو النفساء أو المستحاضة أو من أصيبت بالرعاف أو النزيف جنباً ؟

إنك لا تكون جنباً إلا إذا كنت تُجتنب , وأنت لا تُجتنب إلا إذا كان ما يجتنب منه ظاهراً بيناً فيك , فما دام مستوراً أو محجوباً فلست بجنب .

إذ كيف يجتنبك الناس وهم لا يرون أو يشمون فيك ما يجتنب ؟

لذا لا يكون من جاء من الغائط جنباً إلا إذا كان الغائط ظاهراً فيه ملطخاً به .

ولا تكون الحائض أو النفساء جنباً إلا إذا كان الدم ظاهراً فيها , أي مخضبة بالدماء .

والسؤال : هل صارت الحائض أو النفساء ملطخة بالدماء حتى تُجتنب ؟

لذا فمن لا يستطيع إزالة ما يُجتنب إما أنه جنب مضطر كالجنب عابر السبيل , هذا إذا كانت الجنابة ظاهرة , أو أنه ليس جنباً أصلاً وهذا إذا كان ما يُجتنب منه محجوباً أو مستوراً كالحائض والنفساء والمستحاضة .

وبالقياس كما سأبين في الأدلة , فإن الحائض والنفساء ليستا جنباً .

الدليل الثاني : قال الله : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [المائدة : 6] .

والسؤال : هل ذكر الله الحائض والنفساء في الآية ؟

لا .

هل الحائض والنفساء جنب ؟

لا .

إذا كانت الحائض والنفساء جنباً , فما الدليل على ذلك ؟

لا دليل على ذلك .

يقول أهل الأصول : إن الأصل عند الأصوليين ـ على أرجح القولين ـ أن الأوامر محمولة على الفور ما لم يدل الدليل على التراخي , فلما أمرنا الله بالتطهر من الجنابة فإن هذا الأمر يكون على الفور إذا حضرت الصلاة لأن الأمر بالشيء أمر بلازمه والقاعدة في الأصول : أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

وأقول : لا يوجد دليل من القرآن يدل على التراخي , وبرغم بطلان حجية الآثار فلا يوجد أثر صحيح السند يزعم التراخي .

ولقد أمر الله من كان جنباً بالتطهر أي الاغتسال , وهذا على الفور عند الصلاة , ولا يكون ذلك إلا لمن يستطيع إزالة ما يجتنب منه , أما من لا يستطيع إزالة جنابته فهو كالجنب عابر السبيل فله الصلاة وليس عليه التطهر .

والسؤال : هل الحائض أو النفساء جنب , ومن ثم تكون جنباً مضطرة لا تستطيع رفع جنابتها كالجنب عابر السبيل ؛ لذا لها أن تصلي دون تطهر من الجنابة ؟ أم أنها ليست جنباً أصلاً ؟

ليست جنباً أصلاً , فلا دليل على ذلك .

ولو سلمنا جدلاً أن الحائض والنفساء جنباً ـ وهذا خطأ ـ لكانتا مأمورتين بالتطهر وقت الصلاة , فإن الله قال : "... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ..." [المائدة : 6] .

ولم يقل وإن كنتن جنباً فاعتزلن الصلاة ولا تقربنها حتى يزول حيضكن ونفاسكن .

فلو اعتبرنا الحائض والنفساء جنباً لكان المعنى وإن كنتن حيضاً أو نفساوات فاطهرن , والأمر على الفور عند الصلاة , أي على الحائض والنفساء التطهر عند كل صلاة .

فإن الله أمر الجنب حال كونه جنباً بالتطهر , ولم يأمره بالانتظار حتى زوال صفة الجنابة .

كذلك لو سلمنا جدلاً أن الحائض والنفساء جنب لقلنا أن الله أمر الحائض والنفساء حال كونهما حائضاً ونفساء بالتطهر , ولم يأمرهما بالانتظار حتى انقطاع الدم وزوال صفة الجنابة .

ومن ثم , فمن قال أن الحائض والنفساء جنب , فإن كلامه حجة عليه , لأنه سيجعلهما مأمورتين بالتطهر وقت الصلاة .

وقد يقال : كيف تتطهر الحائض والنفساء ولم ينقطع عنهما الدم ؟

أقول : مثلما تتطهر المستحاضة ولم ينقطع عنها الدم .

الدليل الثالث : قال الله : "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)" ( الأعراف ) .

وهذا أمر من الله بأخذ الزينة عند كل مسجد , والمسجد هو مكان الطاعة , ولم يستثن النساء فلم يقل : ولا تأخذن زينتكن وأنتن في الحيض أو النفاس , ولم يقل ولا تقربن المساجد وأنتن في الحيض والنفاس , بل إن من حرم الزينة شيطان يفتري على الله كذباً .

الدليل الرابع : قال الله : "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" [البقرة : 222] .

لقد أمر الله الرجال باعتزال النساء في المحيض , والمحيض هو مكان الحيض , وهذا يعني أن مكان الحيض يجب اجتنابه , وبمفهوم المخالفة فإن باقي جسد المرأة لا يعتزل أي لا يجتنب , وهذا مع زوجها .

أما مع بقية الناس فإن حيضها مستور محجوب عنهم فكيف يجتنبوها ؟

والسؤال : هل قال : قل هو جنابة ؟ أم قال : قُلْ هُوَ أَذًى ؟

إن الله قال : "قُلْ هُوَ أَذًى" .

ماذا يعني كون المحيض أذى ؟

 لما كان الزواج علاقة بين الزوج والزوجة , فإن وصف المحيض بالأذى يعني أن اقتراب الزوج من المحيض سيؤذيه أو يؤذيها أو يؤذيهما معاً .

وإذا كان الزواج علاقة بين الزوج والزوجة , فإن الصلاة والصيام والطواف علاقة بين العبد وربه , والسؤال : هل إذا صلت الحائض أو النفساء أو صامت أو طافت أذت ربها أو أذت نفسها أو أذت ربها ونفسها ؟ هل سيقترب أحد من محيضها في صلاتها وصيامها وحجها ؟

سبحانه وتعالى عما يصفون .

فإذا لم يتأذى أحد بصلاة الحائض أو النفساء وصيامها وطوافها فكيف تمنعوها منهم وتبطلونهم إذا قامت بهم وتحكمون بوزرها ؟

إذا لم يقترب أحد من محيضها في صلاتها وصيامها وحجها فكيف تمنعوها منهم وتبطلونهم إذا قامت بهم وتحكمون بوزرها ؟

سؤال : ما الحكم الخاص بالحائض والذي بينه الله في كتابه ـ المبين والمفصل في نفسه والتبيان والتفصيل لكل أمور الدين والكافي الكامل الذي لم يفرط الله فيه والناسخ غير المنسوخ ـ ؟

إنه اعتزال الزوج في المحيض .

هل الأذى منع الحائض من الصلاة والصيام والطواف في الآية ؟ هل الأذى يبطل صلاتها وصيامها وطوافها في الآية ؟ أم أنه جعل زوجها يعتزلها في المحيض ؟

هل قال الله : "فلتعتزلن النساء الصلاة والصيام والطواف" , أو أن "صلاتهن وصيامهن وطوافهن باطل" ؟ أم قال : "فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" ؟

لماذا تفترون على الله كذباً ؟

لماذا تزعمون نقصان كتابه وعدم بيانه أو تفصيله في نفسه وعدم تبيينه أو تفصيله لكل أمور الدين ؟

الدليل الخامس :عموم أدلة الأمر بالصلاة والصيام والطواف , ولم يأت ما يخصص هذا العموم :

مثل قول الله : "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)" ( البقرة ) .

فالأمر بالحفاظ على الصلوات والصلاة الوسطى جاء عاماً , ولم يُخَصَّص , فضلاً عن أمر آخر وهو : أن الله أمر بالصلاة حتى في الحرب والمرض ـ عند القدرة ـ والسفر فهل يعقل أن يمنع الحائض والنفساء منها ؟

وقول الله : "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [البقرة : 185] .

وهذا عام أيضاً ولم يخصص , والصيام هو إمساك عن الكلام مع الخلق , وليس إمساك عما يخرج من السبيلين , ولو قلنا بأن الدم الخارج من أحد السبيلين يمنع من الصوم لافترينا على الله كذباً , ولعسرنا على الكثير حتى من الرجال .

وقول الله : "ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" [الحج : 29] .

وهذا عام أيضاً ولم يخصص , لذا فالزعم بتخصيص هذا العموم افتراء على الله واتهام لكتابه بالنقصان , وتعسير على الناس وفضح لهم .

الدليل السادس : قال الله : "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)" ( مريم ) .

والسؤال : هل منع الله مريم من الصوم بعد ولادتها لعيسى ؟ هل أبطل صومها وقت نفاسها ؟ أم أمرها بالصوم ؟

الدليل السابع : قال الله : "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" [النساء : 92] .

وإذا كان الحيض يبطل الصيام ـ كما يزعم الإخوة الأثريون ـ فلن تستطيع المرأة صيام شهرين متتابعين حتى تحمل أو تيأس من المحيض .

الدليل الثامن :  روايات الإخوة الأثريين :

وأنا أستدل بآثارهم من باب الحجة عليهم من أدلتهم التي يؤمنون بها , لبيان تناقض مذاهبهم , وليس لأني أؤمن بها , فأنا أؤمن ببطلان حجية الآثار .

ومن الآثار التي تعارض قولهم ما يلي :

أولاً : لقد روى الإخوة الأثريون عن أبي هريرة أنه قَالَ : "بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ، قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ" . ( البخاري ومسلم وغيرهما , واللفظ للبخاري ) .

يقول الإخوة الأثريون أن الجماع لو كان برضى المرأة فعليها أيضاً صيام شهرين متتابعين .

وإذا كان الحيض يبطل الصيام ـ كما يزعم الإخوة الأثريون ـ فلن تستطيع المرأة صيام شهرين متتابعين حتى تحمل أو تيأس من المحيض .

ثانياً : صحيح مسلم (455)- [300] وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ" .

والسؤال : إذا كان الجسد طاهراً غير جنب وغير نجس , فما الذي يمنع الحائض والنفساء من الصلاة والصيام والطواف ؟

هل على اليد الطاهرة غسل أو استحمام ؟

هل يمنع الجسد الطاهر من الصلاة والصيام والحج بسبب محل صغير محجوب ومستور ؟ هل هذا من الحكمة ؟

ألا تفعل الحائض أو النفساء كما تفعل المستحاضة ومن بها سلس ثم تصلي وتصوم وتطوف ؟

الدليل التاسع : الحكمة والرحمة :

إن الله هو أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين , وليس من الحكمة أو الرحمة منع من يريد التقرب إلى الله من العبادة أو إبطال عبادته .

وليس من الحكمة أو الرحمة منع النفساء من الصلاة أو الصيام أو الطواف طوال أربعين يوماً تقريباً وهي قادرة أو إبطال صلاتها وصيامها وطوافها .

وليس من الحكمة أو الرحمة منع الضعيف والمريض ومن هو أحوج إلى الله من الصلاة والصوم والطواف إذا كان قادراً .

وليس من الحكمة أو الرحمة فضح النساء خاصة في الحج , أو التعسير عليهن وتأخيرهن وهن في سفر .

الدليل العاشر : القياس :

قال الله : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا" [النساء : 43] .

وقال الله : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [المائدة : 6] .

فبقياس الحائض والنفساء على شارب الخمر , فإن الحائض والنفساء ليستا جنباً .

يقول الإخوة الأثريون بنجاسة الخمر , والسؤال : هل أمر الله السكران بالقيء لتطهير ما في جوفه , أو بالانتظار حتى يزول أثر الخمر من جوفه ؟

لو كانت الخمر نجاسة أو قذارة فهي محجوبة أو مستورة , لذا فإن اعتبرناها نجاسة فمن شربها وليست عليه آثارها فليس جنباً , كذلك الحيض والنفاس ما دام محجوباً أو مستوراً لا تكون المرأة جنباً .

وبقياس الحائض والنفساء على المريض فإن الله لم يمنعه من الصلاة أو الصيام أو الطواف , ولم يبطلهم , كذلك الحائض والنفساء لم يمنعهما الله من الصلاة أو الصيام أو الطواف , ولم يبطلهم .

وبقياس الحائض والنفساء على من كان على سفر فإن الله لم يمنعه من الصلاة أو الصيام أو الطواف , ولم يبطلهم , كذلك الحائض والنفساء لم يمنعهما الله من الصلاة أو الصيام أو الطواف , ولم يبطلهم .

وبقياس اجتناب الدم على اجتناب الغائط فإن الله لم يمنع من جاء من الغائط ولم يجد ماء يزيل به أثر الغائط من الصلاة والصيام والطواف ولم يبطلهم , كذلك من جاءت ولم ينقطع عنها دم الحيض أو النفاس ليست ممنوعة من الصلاة أو الصيام أو الطواف , وليست صلاتها أو صيامها أو حجها باطلاً .

وبقياس الحائض والنفساء على من به سلس , فإن الله لم يمنعه من الصلاة أو الصيام أو الطواف , ولم يبطلهم , كذلك الحائض والنفساء لم يمنعهما الله من الصلاة أو الصيام أو الطواف , ولم يبطلهم .

وبقياس الحائض والنفساء على من لامسها زوجها , فإن الله لم يمنعها من الصلاة أو الصيام أو الطواف , ولم يبطلهم , كذلك الحائض والنفساء لم يمنعهما الله من الصلاة أو الصيام أو الطواف , ولم يبطلهم .

يقول الإخوة الأثريون أن الحائض جنب والنفساء جنب ومن يجامعها زوجها ومن تُنزل جنب , وأقول لهم : بقياس الحائض والنفساء على من يجامعها زوجها أو تنزل وتصبح صائمة فإنه لا يبطل صيام الحائض والنفساء .

وبقياس الحائض والنفساء على المستحاضة , فإن الحائض والنفساء ليستا جنباً .

وبقياس الحائض والنفساء على من أصيبت بالرعاف والنزيف , فإن الحائض والنفساء ليستا جنباً .

ولما كانت المستحاضة ومن أصيبت بالرعاف والنزيف لسن بجنب ومن ثم لهن الصلاة والصيام والطواف ـ برغم الدم ـ , كذلك فإن الحائض والنفساء ليستا بجنب , فلم يمنعهما الله من الصلاة أو الصيام أو الطواف , ولم يبطلهم .

فكما تصلي وتصوم وتطوف من أصيبت بالرعاف والنزيف والمستحاضة ـ برغم أن الإخوة الأثريون يقولون أن الدم كله نجس ـ كذلك تصلي وتصوم وتطوف الحائض والنفساء , ولكن يجب الحرص على طهارة اللباس والمكان قدر المستطاع , قال الله : " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [التغابن : 16] .

ولو اعتبرنا أن الحائض والنفساء جنب من أجل الدم فستكون المستحاضة ومن أصيبت بالرعاف والنزيف جنباً , إذ أن كل الدم يُجتنب , فضلاً عن أنه كله نجس عند الإخوة الأثريين , فهل يجعل الإخوة الأثريون المستحاضة ومن أصيبت بالرعاف والنزيف جنباً ؟

وإذا سلمنا جدلاً أن الحائض أو النفساء جنب ـ فبرغم بطلان هذا الزعم لأن الدم محجوب عن الناس وليست ملطخة بالدماء ـ فإن الأمر سيكون للمستطيع , أما من لا تستطيع إزالة ما يُجتنب منه فتكون في حالة الاضطرار مثل الجنب العابر للسبيل .

فإذا قلنا أن الحائض والنفساء جنب ـ وهذا خطأ ـ , سنقول حينئذ : بقياس الحائض أو النفساء التي لا تستطيع رفع جنابتها على الجنب عابر السبيل الذي لا يستطيع رفع جنابته ؛ وعلى ذلك فللحائض أو النفساء أن تصلي دون تطهر من الجنابة مثل الجنب عابر السبيل , فهل يقول الإخوة الأثريون بذلك ؟

وهل يجرؤ الإخوة الأثريون أن يقولوا لتتقي الله ما استطاعت ولتفعل ما تفعله المستحاضة , أم سيضلون ويقولوا تتيمم بالتراب وتصلي أو لا تتيمم ولا تصلي ؟

إن الجنب عابر السبيل لا يستطيع رفع جنابته أو يشق عليه ذلك ومن ثم له الصلاة دون تطهر من جنابته , والسؤال : هل تعتبرون الحائض والنفساء جنباً لا تستطيعان رفع جنابتهما , ومن ثم لهما أن يصليان دون غسل حتى مع وجود الماء , أم لا تعتبرونهما جنباً ومن ثم يكونا مثل المستحاضة ومن أصيبت بالسلس ؟

ما هو المعقول والمقبول لذوي الفطرة السليمة والعقلاء ؟

يقول الإخوة الأثريون أن الحائض جنب والنفساء جنب ومن يجامعها زوجها أو تنزل جنب , وأقول لهم : بقياس الحائض والنفساء على من يجامعها زوجها أو تنزل وتصبح صائمة فإنه لا يبطل صيام الحائض والنفساء .

وبقياس صلاة الحائض والنفساء على ذكر وتسبيح ودعاء وخشوع الحائض والنفساء , فإنه يشرع لهما الصلاة , وهل الصلاة إلا ذكر وتسبيح ودعاء وخشوع ؟

وبالقياس على مشروعية قراءة الحائض للقرآن فيشرع لها الصلاة , فالقرآن ذكر والصلاة ذكر .

وبالقياس على مشروعية قراءة الحائض للقرآن فيشرع لها الصيام , فالقرآن ذكر والصيام انقطاع عن الخلق لذكر الخالق وتدبر كلامه .

والخلاصة : بالقياس فإن المرأة الحائض مثل أي امرأة فلها أن تصلي وتصوم وتطوف .

وما حدث هذا التحريف والافتراء على الله إلا من شياطين الإنس والجن الذين تشبهوا باليهود في معاملتهم للحائض .

تنبيه : ليس كل مرض يتعارض مع الصيام , فمن الأمراض ما يكون الصيام معه يسيراً , ومن الأمراض ما يكون الصيام معه عسيراً لكن إذا أصر المريض على الصيام رغم تعارض الصيام مع حالته فقد عسر على نفسه ما يسره الله عليه , ولكن صيامه صحيح ولا يوجد دليل على بطلانه .

فإذا شعرت الحائض بضعف أو مرض في الصيام فعدة من أيام أخر , ولتقطع خلوتها ولتتكلم , ولكن إذا صامت فإن صيامها صحيح , ولا يوجد دليل على بطلانه .

والسؤال : ما علاقة صيام الإخوة الأثريين بالدم ؟

هل الصيام يستلزم التطهر من الدم عند الإخوة الأثريين ؟ هل الصيام يستلزم التطهر من كل قذر عند الإخوة الأثريين ؟

قد يلتبس الأمر في أمر الصلاة عند البعض , لأن الصلاة تتطلب الطهارة , ولكن يزول هذا اللبس عندما نذكره أن المصابة بالنزيف أو الرعاف أو المستحاضة تصوم في مذهبه , كذلك الحائض أو النفساء لا تستطيع أن تقطع الدم ؛ لذلك فلا حرج عليها ولتتقي الله ما استطاعت , كما تفعل المستحاضة والمصابة بالنزيف والرعاف والسلس .

وإذا كان الدم يبطل الصوم ـ عند الإخوة الأثريين ـ فما حال المستحاضة ومن أصيبت بالرعاف أو النزيف ؟ وما حال البول والغائط ؟ هل الذهاب إلى الغائط يبطل الصوم عند الإخوة الأثريين ؟

ما هذا التناقض ؟

لقد حرفت الفرق الضالة دين الله لزمن طويل فحرموا على الحائض الصلاة والصيام وقراءة القرآن ومسه , وأبطلوا صيام الحاجم والمحجوم , ثم تبين لهم بالتحقيق أن أثر تحريم قراءة القرآن ومسه باطل , وأثر بطلان صيام الحاجم والمحجوم باطل , فرجعوا عن فتاويهم الضالة التي أضلت وأفسدت لقرون عديدة .

والسؤال : لماذا لا تتبينون قبل أن تؤمنوا وقبل أن تفتوا الناس بغير علم فتضلوهم عن سواء السبيل ؟ أما آن لكم أن تطرحوا كل تلك الآثار المحرفة وتستمسكوا بكتاب ربكم ؟

أما المحجوم المريض فله عدم الصوم , وإذا صام فإن صيامه صحيح , بأدلة العموم والقياس والرحمة والحكمة .

وأما الحاجم فلا يعقل أن يبطل صيامه .

شبهات :

الشبهة الأولى : وصف المحيض بالأذى :

العجيب أن بعض الإخوة الأثريين أراد أن يأتي بدليل من القرآن على بطلان صلاة وصيام وطواف الحائض فقال : أن الله قد وصف المحيض بالأذى , وما دام هناك أذى فلا صلاة ولا صيام ولا طواف .

وهذا تحميل للآيات ما لم تحتمل , لذا فهو من التقول على الله والافتراء عليه .

معنى كلام الإخوة الأثريين أن كل أذى يمنع الناس من الصلاة والصيام والطواف ويبطلهم , فهل يعقل هذا ؟

ولنبحث عن كلمة أذى في القرآن , حتى نعلم الحق .

أولاً : قال الله : "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" [البقرة : 222] .

انظر : الأدلة .

ثانياً : قال الله : "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [البقرة : 196] .

والسؤال : هل الأذى منع المسلم من الصلاة والصيام والطواف ؟ هل الأذى يبطل صلاته وصيامه وطوافه ؟

ثالثاً : قال الله : "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)" ( البقرة ) .

والسؤال : هل الأذى منع المؤذي من الصلاة والصيام والطواف ؟ هل الأذى يبطل صلاته وصيامه وطوافه ؟ أم أنه يبطل صدقته ؟

هل الأذى منع من وقع عليه الإيذاء من الصلاة والصيام والطواف ؟ هل الأذى يبطل صلاته وصيامه وطوافه ؟

رابعاً : قال الله : "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111)" ( آل عمران ) .

والسؤال : هل الأذى منع المسلمين من الصلاة والصيام والطواف ؟ هل الأذى يبطل صلاتهم وصيامهم وطوافهم ؟

خامساً : قال الله : "لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" [آل عمران : 186] .

والسؤال : هل الأذى منع المسلمين من الصلاة والصيام والطواف ؟ هل الأذى يبطل صلاتهم وصيامهم وطوافهم ؟

سادساً : قال الله : "وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا" [النساء : 102] .

والسؤال : هل الأذى منع النبي ومن معه من الصلاة ؟ هل الأذى أبطل صلاتهم ؟

الشبهة الثانية : اشتراط الطهارة :

قال بعض الإخوة الأثريين : لا صلاة بدون طهارة , لذا لا صلاة للحائض والنفساء حتى تطهر .

وأقول لهم : هل كل ما يجب التطهر منه يمنع من الصلاة والصيام والطواف ويبطلهم ؟

توجد أشياء كثيرة يجب التطهر منها , ولكنها لا تمنع من الصلاة أو الصيام أو الطواف ولا تبطلهم , مثل :

القذارة التي لا يستطاع التطهر منه كالحيض والنفاس والاستحاضة والسلس , فمن الحكمة والرحمة أن يقال لهم قول الله : "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ..." [التغابن : 16] .

ومثل : جنابة عابر السبيل فلقد شرع الله له الصلاة دون تطهر , لأنه لا يستطيع إزالة جنابته , أو يشق عليه ذلك .

ومثل : الغيبة والجبن والحقد , فسواء كان المريض يستطيع أن يطهر نفسه من تلك الخبائث أم لا فهي لا تمنع من الصلاة أو الصيام أو الطواف ولا تبطلهم .

إن المقصود بالطهارة اللازمة للصلاة هي الطهارة من الجنابة للمستطيع , أي الطهارة من القذارة التي يجتنبها الناس , ولن يجتنبها الناس إلا إذا كانت ظاهرة في الإنسان , وليس المقصود الطهارة من أمر محجوب أو مستور كحيض أو نفاس أو استحاضة .

بل إننا لو اعتبرنا أن كل إنسان به شيء يجتنب هو جنب لأصبحنا كلنا جنباً .

ولو سلمنا جدلاً أن الحائض والنفساء جنب ـ وهذا خطأ ـ  لقلنا لا صلاة بدون طهارة من الجنابة , ولكن مع القدرة , فلا بد من هذا الشرط أو القيد , فمن لا يستطيع إزالة جنابته فهو مثل الجنب عابر السبيل فليذكر ربه ولا ينسى .

ولنتدبر بعض آيات الطهارة حتى نعلم الحق .

أولاً : قال الله : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا" [النساء : 43] .

انظر : الأدلة .

ثانياً : قال الله : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [المائدة : 6] .

انظر : الأدلة .

ثالثاً : قال الله : "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" [البقرة : 222] .

انظر : الأدلة .

رابعاً : قال الله : "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" [آل عمران : 55] .

والسؤال : هل قبل تطهير الله لعيسى من الذين كفروا كانت صلاته وصيامه وطوافه باطلة ؟ هل منعه الله من الصلاة والصيام والطواف ؟

خامساً : قال الله : "إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ" [الأنفال : 11] .

والسؤال : هل كانت صلاتهم وصيامهم وطوافهم باطلة قبل نزول الماء ؟ هل منعهم الله من الصلاة والصيام والطواف قبل نزول الماء ؟

سادساً : قال الله : "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [التوبة : 103] .

والسؤال : هل كانت صلاتهم وصيامهم وطوافهم باطلة قبل أخذ الصدقة منهم ؟ هل منعهم الله من الصلاة والصيام والطواف قبل أخذ الصدقة منهم ؟

سابعاً : قال الله : "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)" ( التوبة ) .

إن الطهارة هنا طهارة القلوب , فالله لا يتكلم هنا عن الاغتسال من القذارة .

والسؤال : هل فساد قلوبهم منعهم من الصلاة ؟

لا , بل قد يصلون نفاقاً .

ثامناً : قال الله : "وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ" [هود : 78] .

تاسعاً : قال الله : "وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" [الأعراف : 82] .

عاشراً : قال الله : "فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" [النمل : 56] .

والسؤال : هل إتيان الذكور يبطل الصلاة أو يمنعها ؟

هذا ذنب , وعدم الصلاة ذنب آخر .

الحادي عشر : قال الله : "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" [الأحزاب : 33] .

والسؤال : هل تبرج الجاهلية الأولى يبطل الصلاة أو يمنعها ؟

الثاني عشر : قال الله : "فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)" ( الواقعة ) .

والسؤال : هل المراد لا يمسه إلا المطهرون من الحيض والنفاس ؟

إن فتوى الإخوة الأثريين الآن هي مشروعية مس وقراءة الحائض والنفساء للقرآن .

لذا فمن يرى أن الآية عامة وليست في الملائكة فقط فيجب عليه أن يقول أن الحائض والنفساء طاهرتان , لأنه يقول بمشروعية مس وقراءة الحائض والنفساء للقرآن .

الشبهة الثالثة : اعتراض من أجل الاعتراض :

بعض الإخوة المتأثرين بالمذهب السلفي أراد الاعتراض علي , فقال : ( الحائض والنفساء ليستا جنباً ولكن لا تجوز صلاتهما أو صيامهما أو طوافهما حتى يطهرن ) . انتهى .

فقلت له : نعم , الحائض والنفساء ليستا جنباً , فهذا هو الذي أقوله , ولكن إذا كنت ترى حقا أن الحائض والنفساء ليستا جنباً فكيف لك منعهما من الصلاة والصيام والطواف ؟ ما دليلك على ذلك إذا كانتا ليستا جنباً ؟

فلم يستطع الرد .

فقلت له : أنت تقول : ( الحائض والنفساء ليستا جنباً ولكن لا تجوز صلاتهما أو صيامهما أو طوافهما حتى يطهرن ) .

كيف يطهرن ؟

فقال : ( ينقطع الدم ويغتسلن ) .

وهو يقصد بالاغتسال الاستحمام .

فقلت له : ينقطع الدم , فتستحم الحائض أو النفساء , فيجامعها زوجها , فتستحم ثانية ؟

فقال : نعم .

فقلت له : ( أنت تريد الاعتراض فقط ) . انتهى

والخلاصة : إن الدليل على مشروعية صلاة وصيام وطواف الحائض والنفساء هو عدم وجود دليل يمنع من ذلك أو يبطله .

كذلك الدليل على مشروعية صيام الحاجم والمحجوم هو عموم الأمر بالصيام والرحمة والحكمة والقياس , ولم يأت دليل يمنع من ذلك أو يبطله .

فالدليل أن لا دليل .

ما الحال في العبادات التي لم يرد ما يحرمها أو يبطلها ؟ هل نتقول على الله أو نفتري عليه كذباً أو نبطل أحكامه ؟

ـــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق